الملف الشائك: هل «الترتان» .. ملاعب «السرطان»؟
يمكن احتمال الخطر على الركبة والعمود الفقري .. لكن الفرضية الأخرى مرعبة
صرخة «المنيري» لم تجد صدى .. والتقرير الهولندي أعاد القضية من جديد
حبيبات البلاستيك تحت العشب الصناعي والمطاط وخيوط الزرنيخ والكروم والرصاص .. «معادلة الموت»
ابعدوا الأطفال عن الملاعب الصناعية .. حتى نعرف حقيقة القضية
إذا كان خطر ملاعب الترتان في إصابات الأقدام فقط .. فذلك محتمل!
خشونة ركبة أو تآكل غضاريف .. لا مشكلة!
مشاكل في الأوتار أو في الأربطة .. لا بأس، وقد نلعب بأحذية خاصة!
أما أن يطل «السرطان» – والعياذ بالله – برأسه في المعادلة، فهذا ما لا يمكن تصوره ولا احتماله.
الأمر يستدعي التوقف والدراسة والانتباه .. نغامر بأي شيء إلا الحياة.
لم يكن النجيل الصناعي، أو «الترتان» وليد اليوم، فقد ظهر منذ أكثر من سبعين عاماً، وتحديداً فى ستينيات القرن الماضى، وكان ملعب أسترودوم فى هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية أول ملعب يستخدم العشب الصناعى، بعدها انتشر الأمر وتوسع مع مرور الزمن وتقدم التكنولوجيا ليبدأ الاعتماد على هذا الاختراع فى ملاعب كرة القدم وغيرها من الملاعب فى الرياضات المختلفة، خاصة أن النجيل الصناعى لا يحتاج إلى الرى والعناية مثل العشب الطبيعي.
ولأن لكل اختراع جوانب إيجابية وسلبية ظهرت سلبيات العشب الصناعي سريعاً ليصبح “بعبع” اللاعبين بعد كثرة الإصابات التى يتعرضون لها جراء اللعب على ملاعب تم بناء أرضيتها بالعشب الصناعى، وهو ما أكدته الأبحاث العلمية وأيده أطباء الرياضة.
السبب الحقيقى فى ارتباط النجيل الصناعى بتعرض لاعبى الكرة للإصابات يأتى من طبيعة أرضية الملاعب التى تعتمد على هذا العشب، والتى تتسم بالصلابة والخشونة وهو ما يؤثر سلباً على اللاعبين خاصة مع التصادم والسقوط والاحتكاك بالأرض، ولا يتوقف تأثير النجيل الصناعى على إحداث الإصابة فقط بل يؤدى إلى تطورها ويزيد من قسوتها أحيانا.
ولأن أرضية الملعب من أهم العوامل التى قد تؤثر على حدوث الإصابات وتطورها، فإن الأرضية السيئة والنجيل الصناعي»، تؤثر على إصابات الركبة والجزء السفلى من الظهر، وقد يتطور الأمر إلى ظهور حالات الخشونة وتطورها والإحساس بالثقل فى العضلات.
الدكتور طارق سليمان طبيب المنتخب الأول السابق، أكد في تصريحات صحفية أن أرضية الملعب يمكنها أن تتسبب فى بعض الإصابات مثل الالتواءات وإصابات المفاصل والجروح القطعية إذا كانت الأرضية صلبة، كما أنها تؤثر على زيادة التهابات الحوض وظهور خشونة الركبة.
أما الدكتور كامل حسين، رئيس الإدارة المركزية للطب الرياضى بوزارة الشباب والرياضة الأسبق، فقد سبق أن صرح بأن الفيفا قامت بدراسات للوقوف على العلاقة بين النجيل الصناعى وإصابات الملاعب، وأثبتت هذه الدراسات أن الأرضية كلما كانت صلبة أثرت على إصابات الأنكل، والتى تمتد إلى الركبة والظهر وآلام الحوض، لأن كعب اللاعب يكون دائم الاحتكاك بأرضية الملعب ويحتاج إلى مرونة أكبر، مشيراً إلى أن هناك أحذية مخصصة لهذه الملاعب ومصنعة بكفاءة قادرة على امتصاص الصدمات لوقاية اللاعبين.
الكارثة الأكبر
حتى هذه المرحلة، والأمر لا بأس به، ويمكن السكوت عليه، لكن أن يتجاوز ذلك إلى «السرطان»، فهو ما لا يمكن السكوت عليه.
التحذيرات من هذه الكارثة بدأت قديماً جداً في الخارج، مع بدايات القرن الحادي والعشرين، لكنها في مصر ظلت تُتداول على استحياء، حتى خرج الدكتور مصطفى المنيرى طبيب فريقي الزمالك وبيراميدز السابق، بتصريحات مرعبة، أكد فيها أن الملاعب المنتشرة فى مصر تحت مسمى «الترتان».. أو النجيل الصناعى، تجلب مرض السرطان، وكانت الصرخة موجهة في الأساس لوزارة الشباب من أجل وقف هذا التغول لملاعب النجيل الصناعي التي ملأت مصر، ولكن دون أن يلتفت إليه أحد.
تصريحات المنيري، جاءت عقب تقرير تلفزيوني هولندي، سلط الضوء على مخاوف لطالما انتابت بعض الناس، من أن العشب الصناعي الذي يكسو بعض ملاعب كرة القدم قد يصيب اللاعبيين بالسرطان، والمخاوف سببها مطاط السيارات تحت شعيرات العشب الذي يعتبره البعض مادة مسرطنة.
في تقرير مطول لها، أشارت «دويتشه فيله»، وهي إذاعة صوت ألمانيا، أشارت إلى أن هذه لم تكن أول مرة تُثار فيها مخاوف من «الترتان»، فلطالما تناولت وسائل إعلام أميركية وبريطانية وأوروبية فرضيات مفادها أنّ هذا العشب قد يسبب السرطان.
لكن الذي أثار الموضوع هذه المرة تقرير تلفزيوني بثّه تلفزيون هولندي، وأعادت بثه ونشر تقرير عنه قناة «في دي إر1» الألمانية، وقد جاء تأثير التقرير مباشرا على عشاق اللعبة في هولندا، فبعد التقرير مباشرة، قرر نحو 12 ناديا لكرة القدم للهواة في هولندا عدم استخدام الملاعب ذات العشب الصناعي.
كما بدأت السلطات هناك، البحث في تأثيرات العشب الصناعي في الملاعب المذكورة على الصحة العامة، بعد أن تحدث عالم هولندي لبرنامج “تسيمبلا” في التلفزيون عن حبيبات بلاستيكية تحت العشب الصناعي قد تحتوي على مواد مسرطنة، ولفت الخبير الأنظار إلى أنّ هذا الاحتمال لم يجرِ بحثه بما يكفي.
صحيفة “ذي تليجراف” البريطانية نشرت في فبرايرعام 2016 قصة لويس ماجوري البالغ من العمر 18 عاما، والذي أُصيب فجأة -وهو الرياضي النشيط اليافع- بمرض سرطان الغدد اللمفاوية، فقام أبوه نيجل بإعادة نشر النظرية التي تؤكد أنّ العشب الصناعي مسبب للسرطان، وأنه هو المسؤول عن إصابة ولده بهذا المرض.
ثلاث طبقات
لفهم الأمر بصورة أقرب، فإن الطبقات الثلاث الصناعية التي يتكون منها النجيل الصناعي، تصنع من خلال زرع شعيرات «السنثتك» الخضراء في طبقة من الرمل، وتدعم الشعيرات بعد خلط الرمل بطبقة من مطاط «الكرومبو»، وهي حبيبات مستخلصة من إطارات السيارات المستعملة، وإلى هذه الحبيبات يوجه ماجوري أصابع الاتهام.
سيل الاتهامات المرعبة لـ «الترتان» يرجع لتواريخ أقدم، ففي عام 2006 قيّمت دراسة نرويجية مخاطر استخدام حبيبات الإطارات المطاطية المستعملة لصناعة العشب الصناعي، وخلصت إلى أنّ «طيف المكونات الداخلة في صناعة النجيل الصناعي له آثار غير مضمونة على الصحة البشرية»، لكن هذا التقييم لم يلتفت إليه أحد.
وفي عام 2008 كشف عالم من ولاية مشيجان الأميركية عن وجود مواد كيميائية ضارة في العشب الصناعي، كما كشفت التحليلات عن وجود خيوط من الزرنيخ والكروم والرصاص، ورغم أنّ أكاديميين قد علقوا بالقول إن “الموضوع بحاجة إلى مزيد من البحث”، فإنّ مزيدا من الدراسات لم تجرِ بهذا الخصوص.
وفي عام 2013 كشفت صحيفة «شيموسفير» الهولندية أنّ استخدام إطارات السيارات المعاد تصنيعها لإنتاج أرضيات الملاعب يحمل في طياته أخطارا غير منظورة قد تصيب اللاعبين وحتى الأطفال المترددين على تلك الملاعب، مؤكدة على ضرورة الالتفات جديا لهذا الموضوع.
وفي معرض الدفاع عن العشب الصناعي، قال إريك أو دونيل المدير العام لشركة التأمين الرياضية سبورتس لابس “بينما أشارت خمسون دراسة إلى احتمال وجود علاقة بين حبيبات المطاط وبين مرض السرطان الذي تسببه المواد الكيمياوية في الحبيبات، فإنّ أيا من هذه الدراسات لم تقدم دليلا قطعيا على وجود خطر في استخدام حبوب المطاط المعاد تصنيعها على صحة المستخدمين وحياتهم”، وقال إن “العشب الصناعي خضع لاختبارات صعبة ودقيقة قبل وضعه في التداول، وثبت أنّه أمين ومقاوم ولا يحتوي مركبات ومواد تضر بالصحة.
إلى هنا، نحن نفترض «حسن النية»، ونفترض أن معظم هذه الدراسات قد تكون فيها مبالغة، لكن طالما أنها مطروحة فإننا لسنا أقل من دول العالم لنعرف حقيقتها، وحتى نعرف، علينا على الأقل أن نبعد الأطفال عن الملاعب الصناعية حرصاً عليهم من مشاكل الركبة والعمود الفقري، وحتى نعرف تفاصيل القضية الأخطر.